الحمد لله رب العالمين , والعاقبة للمتقين , ولا عدوان إلا على الظالمين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين , وبعد :
فإن الاستغفار عبادة من أجل العبادات , وأفضل القربات , وأعظم الطاعات , وقد أمرنا ربنا جل وعلا فى غير ما آية من القرآن الكريم بالاستغفار .
قال تعالى : (واستغفر لذنبك , وللمؤمنين والمؤمنات ) .
وقال تعالى : ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) .
وفال تعالى : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم , وما كان معذبهم وهم يستغفرون ) .
وقال تعالى : ( ومن يعمل سوءآ أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورآ رحيما ) . والآيات فى ذلك كثيرة , وكذلك السنة تعج بالاحاديث التى تأمرنا بالاستغفار , وتدل على فضله .
وللاستغفار فوائد جمة , من أعظمها أن المستغفر إذا كان مخلصآ فى استغفاره مداومآ عليه فإن الله عز وجل كريم , يعطيه ما سأل , ويستجيب له إذا دعا , ويجعل له من كل ضيق مخرجا , ومن كل همآ فرجا .
خرج إمام أهل السنة اٌلإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ليزور أحد أحبابه فى الله فى بلد من البلدان لايعرفه فيها أحد , فأخذ اٌلإمام يمشى طول النهار باحثا عن غرضه , حتى أرخى الليل ستوره , وأذن لصلاة العشاء , فدخل الإمام ليصلى العشاء وفى نيته أن يبيت فى المسجد , ويكمل سيره فى اليوم التالى .
وبعد إنتهاء الصلاة وخروج الناس من المسجد , أراد القائم على شأن المسجد ومتعاهده أن يغلق المسجد , فقال للإمام أحمد : اخرج حتى أغلق الباب .
قال الإمام : إنى رجل غريب , جئت فى طلب شىء ولم أظفر به حتى الآن , فدعنى أنام فى المسجد حتى أواصل سيرى غدآ .
قال الرجل : ممنوع .
قال الإمام : أنى عبد الله , وهذا بيت الله , وكان الإمام قد أصابه إعياء شديد من كثرة المشى فألقى بنفسه على الارض.
فقال الرجل : أيهما أحب إليك ؟ أن تخرج على قدميك , أم أن تجر إلى خارج المسجد ؟
فخرج الإمام أحمد , ولايدرى أين يذهب , وكانت السماء تمطر مطرآ شديدآ , فوقف الإمام تحت المطر متحيرآ .
فرآه رجل خباز , فرق له , ورحم شيبته , فأخذه إلى داره وهو لايعرفه , فألبسه ملابس جيدة غير التى أصابها المطر , وأحضر له العشاء .
ولكن هذا الرجل لم يكن يفعل شىء إلا وقال : استغفر الله , ما إن يصلح رغيف إلا وقال : استغفر الله , ولا يضعه فى التنور إلا استغفر الله , ولا يحرك ساكن إلا استغفر الله , ولا يسكن متحرك إلا استغفر الله .
وكان الإمام أحمد يسمع هذا الرجل وهو يكثر من الاستغفار فقال له : ياهذا مالك تكثر من الاستغفار , ماتفعل شىء إلا استغفرت الله , فهل وجدت لذلك أثر فى حياتك ؟ ( أى هل أنعم الله عليك بنعمة نتيجة استغفارك ؟ ) .
قال الرجل : نعم .
قال الإمام : وماهي؟
قال الرجل : مادعوت الله عزوجل قط إلا استجاب الله دعائى . إلا دعوة واحدة .
فقال الإمام : وما هى ؟
قال الرجل : سألت الله أن يجمعنى بإمام أهل السنة أحمد بن حنبل .
قال الإمام : أنا أحمد بن حنبل . ثم سأله : من أنت ؟
قال : أنا إسحاق بن راهويه .
أتدرون من أسحاق بن راهويه ؟ إنه الرجل الذى خرج الإمام أحمد لكى يزوره .
ياالله , فسبحانك ربى .
فهذه دعوة منى لإخوانى الاعزاء أكثروا من الاستغفار .
أخى الحبيب , وأنت ذاهب إلى عملك , بدل أن تشغل نفسك بالاغانى وما إلى ذلك , لماذا لاتشغل لسانك بالاستغفار ؟
أختى الفاضلة : وأنت فى خدمة أهلك , أو زوجك , وأنت تعدين الطعام, لماذا لا تشتغلى بذكرالله ؟
فإذا أردنا أن يستجيب الله دعاءنا فلنكثر من الاستغفار .
يا من أجدبت أرضك , وتريد المطر أكثر من الاستغفار .
يا من تريد أن يهب الله عز وجل لك الآولاد , أكثر من الاستغفار .
يا من تريد الاموال , أكثر من الاستغفار .
قال تعالى : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا , يرسل السماء عليكم مدرارا ,ويمددكم بأموال وبنين , ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) .
والله الموفق , وهو الهادى إلى سواء السبيل .