بعد أن تعالت صرخاتهم لتنفذ من حاجز الصمت والقضبان، يصدر ديوان "قصائد من غوانتانامو: المعتقلون يتحدثون"، والتي كتبها 17 معتقلا ويبلغ عددها 22 في كتاب من 84 صفحة عن دار النشر الجامعية في ايوا، ويباع مقابل 14 دولاراً.
محيط – هاني ضوَّه
ويتضمن الكتاب أبياتاً شعرية مترجمة لسامي الحاج، موجّهة الى نجله محمد، كشف فيها عن عرض أميركي بالإفراج عنه مقابل موافقته على التجسس على مواطنيه. وإلى جانب الحاج يتضمن الكتاب الصادر عن دار النشر الجامعية في جامعة أيوا الأميركية، قصائد أخرى لـ16 معتقلاً، منهم البحريني جمعة الدوسري، الذي حاول أن يقتل نفسه 12 مرة، كما شارك في الكتابة عن مشاعر مماثلة الأردني أسامة أبو خبير، الذي كان يعمل سائقاً لشاحنة مياه في أمانة عمان الكبرى قبل أن يتوجه إلى افغانستان ويعتقل هناك.
القصائد الإثنتان وعشرون كتبت داخل الأسلاك الشائكة باللغات العربية والإنجليزية والبشتونية، وقام بجمعها ونشرها باللغة الإنجليزية مارك فالكوف أستاذ القانون بجامعة بنسلفانيا، وقد عقب على الكتاب اريل دورفمان وأشرف على نشرة فالكوف والذي بدأت على يديه عندما ذهب إلي مكان أمن في واشنطن تحفظ فيه مراسلات المعتقلين ليجد قصيدة شعر في انتظاره.
ويروي المعتقلون معاناتهم في هذا المعتقل في مجموعة قصائد قاموا بتسليمها الى محامييهم وكتبوها في بعض الاحيان بمعجون الاسنان او حفروها على اطباق فناجين بلاستيكية, مستخدمين الحصي، حيث أنه لم يكن في السنة الأولي في المعتقل يسمح للسجناء بالحصول على ورقة وقلم.
ومنذ تسليم هذه القصائد, خرج اربعة او خمسة معتقلين من السجن لكن الآخرين ما زالوا معتقلين في السجن الذي أنشئ في القاعدة الامريكية البحرية في كوبا في الاشهر التي تلت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ومعظم هؤلاء معتقلون منذ أكثر من خمسة اعوام من دون اتهام او محاكمة.
وولدت هذه المجموعة الشعرية بفضل محام يدعى مارك فالكوف الذي يدافع عن معتقلين يمنيين، وكتبت جميع القصائد باللغة العربية وقام بترجمتها مترجمون معتمدون في وزارة الدفاع الامريكية, بعد ان رفعت السرية عن هذه النصوص.
وجاءت فكرة نشر هذه القصائد عندما بدأ فالكوف الذي يدافع عن معتقلين يمنيين, بتسلم قصائد من موكليه, وما لبث ان علم ان محامين آخرين يتلقون ايضا قصائد من موكليهم.
واعتبرت وزارة الدفاع ان كل النصوص التي خرجت من قاعدة غوانتانامو معلومات تشكل تهديدا محتملا للامن وقامت اجهزة الوزارة بدراستها واختارت النصوص التي يمكن نشرها وتلك التي يجب ان تبقى سرية.
وجاءت فكرة نشر هذه القصائد عندما بدأ فالكوف الذي يدافع عن معتقلين يمنيين, بتسلم قصائد من موكليه, وما لبث ان علم ان محامين آخرين يتلقون ايضا قصائد من موكليهم، وقام بترجمتها مترجمون معتمدون في وزارة الدفاع الامريكية, بعد ان رفعت السرية عن هذه النصوص.
يقول دورفمان حسبما جاء بمجلة "نصف الدنيا" المصرية: "أول قصيدة رأيتها كانت مرسلة إليَّ من عبدالسلام الهيلا وهي مؤثرة إلي حد البكاء وتتحدث عن الظلم والاعتقال العشوائي وفي الوقت نفسه ترنيمة إيمانيه مطمئنة، وقد أثارت الرسالة اهتمامي لكن كنت قد حصلت على درجة الدكتوراة في الأدب".
وسرعان ما تلتها قصيدة ثانية وبدأ فالكوف يتساءل إذا كان بقيه المحامين قد تلقوا قصائد مثله من عملائهم ليتضح أن قاعدة خليج جوانتانامو مليئة بالشعراء.
لكن معظم القصائد بما فيها قصيدة الهيلا الحزينة التي أشعلت جذوة اهتمام فالكوف كادت ألا تري النور حيث كان البنتاجون رافضاً الإفراج عنها مفضلاً حبس الكلمات مع أصحابها .. وأعلن مسؤولون في البنتاجون أن الشعر يمثل خطورة خاصة على الأمن القومي بسبب محتواه وصيغته.
وفي تعليقاته على غلاف الكتاب كتب روبرت بينسكي وهو شاعر أمريكي حائز على جوائز في الأدب قائلاً: "إن صوت السجناء يستحق الاهتمام رغم أنه قد لا يلقي الإعجاب".
ومن صرخات السجناء نسمع قصيدة كتبها سامي الحاج مصور قناة الجزيرة السوداني الذي تم اعتقاله أثناء تغطية الحرب الأمريكية في أفغانستان عام 2001 ليسلم للقوات الأمريكية في يناير 2002 حيث تعرض للتعذيب في قاعدة باجرام في قندهار قبل نقله إلي جوانتانامو في يونيو 2002. القصيدة بعنوان "أصفاد الهوان" قال فيها:
عندما سمعت هديل اليمام على الشجر
جرت الدموع على وجنتي دافئة
ولما صدح العصفور
أودعت أفكاري رسالة لإبني محمد
صبوح أنا
وفي يأسي لا نصير لي سوي الله
يتلاعبون بي في محبسي
وهم يتحركون في العالم أحرار طلقاء
يريدونني جاسوساً على أهلي
يقولون إنه شرف
يغرونني بالعطايا والمنح أرض ومال
وحريتي السليبة في أن أذهب حيث أشاء
إغراءاتهم تبدو لي كالبرق يلمع في السماء
لكن هبتهم كالحية الرقطاء
تحمل النفاق في فكها سماً زعافاً
لديهم أصنام لكل شئ للحرية والتعبير
شئ رائع قلت لهم
لكن العدل ليس بتمثال أو معمار يبني
أمريكا ..
على ظهور اليتامي تركبين
ترهبينهم ليل نهار
وحذار يا بوش
فالعالم يراك كاذباً مغروراً
ولله أشكو بثي ودمعي
وظلم يكبلني وحنين لوطني
أيا محمد لا تنسني
ساندني وقل إن أبي
رجل يخشي الله
عذبته "أصفاد الهوان"
كيف لي أن أنظم الشعر؟ كيف أكتب؟
بعد كل هذا الذل والأغلال والعذاب والدموع
أي شعر يمكن أن يقال؟
روحي بحر يموج بعواصف الجزن وأمواج الغضب
أسير أنا . والجرائم تهزمني. والخوف يغمرني
اللهم اجمعني بابني محمد
اللهم أنت ولي المتقين
ومن صرخة لصرخة .. يكتب جمعة الدوسري من البحرين عمره 33 عاماً وله ابنه واحدة .. وتم القبض عليه من قبل قوات الأمن الباكستاني في نهاية 2001، يقول في قصيدته:
خذوا دمي
خذوا كفني
وبقايا جسدي
والتقطوا الصور لجثماني في قبرة وحيداً
أرسلوها للعالم
إلي القضاة
وأضحاب الضمائر
أرسلوها إلي أصحاب المبادي وأولي الألباب
ودعوهم يتحملوا وز موت روح بريئة
أمام العالم
دعوهم يحملوا الوزر أمام أبنائهم وأمام التاريخ
عن تلك الروح التي لم ترتكب إثماً
وراحت هباء
تلك الروح التي عذبتها أيادي حماة السلام.
ويتسائل أسامة أبو كبير وهو سائق شاحنة مياة أردني سافر إلي أفغانستان مع جماعة التبليغ حيث احتجزته قوات مناهضة لطالبان وسلمته للقوات الأمريكية، والغريب أن أحد أسباب استمرار اعتقاله أنه كان يرتدي ساعة كاسيو رقمية عند اعتقاله من موديل هو المفضل لدي أعضاء تنظيم القاعدة حيث يمكن استخدامها كمفجر قنابل، يتسائل فيقول:
هل صحيح أن العشب ينمو ثانية بعد المطر؟
هل صحيح أن الطيور ستهاجر عائدة لأوطانها؟
هل صحيح أن أسماك السالمون ستعود عكس التيار من جديد؟
هل صحيح؟
صحيحة تلك المعجزات كلها؟
ولكن هل صحيح أننا يوماً سنغادر جوانتانامو؟
هل صحيح أننا يوماً لأوطاننا نعود؟
أحلم أني أبحر إلي وطني
إلي بيتي وأهلي
وأطفالي .. كل منهم جزء مني ..
أحلم أني أغادر هذا القفص
ولكن هل تسمعني أيها القاضي
هل تسمعني؟
إنني برئ .. لم أرتكب جرماً..
فاطلق سراحي
لو كان في الدنيا بقية من عدالة أو أمان.
جوانتانامو اسم سيذكره التاريخ طويلا بعد ان نسيه سنوات عديده ومنطقة ستظل شاهدا على ممارسات الولايات المتحدة الامريكية المثيرة للجدل بعد ان افقدتها احداث الحادي عشر من سبتمبر الكثير من هيبتها واتزانها وقدرتها على ان تكون قدوة في تطبيق الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية ومبادئ الشرعية الدولية .
فمعتقل جوانتانامو، هو سجن سيء السمعة، بدأت السلطات الأمريكية بإستعماله في سنة 2002، و ذلك لسجن من تشتبه في كونهم إرهابيين، ويعتبر السجن سلطة مطلقة لوجوده خارج الحدود الأمريكية، و ذلك في أقصى جنوب شرق كوبا، و تبعد 90 ميل عن فلوريدا، ولا ينطبق عليه أي من قوانين حقوق الإنسان.